Hans Bellmer - The Doll, 1935

Hans Bellmer - The Doll, 1935
DEformITY

Oct 20, 2011

حان دورك

استأذنت لتصلي, فذهبت لإحدى الغرف و كان بابها مفتوحا, و رغم أنني لم ألتفت لها إلا أنني أحسست طيفها يتحرك حركات راقصة عنيفة, مندفعة بلا وعي و لا هدف, كأنما تعاني من مس ذي تيار تحتي.. مس خفي, واقعة تحت تأثير سحابة دخانية عملاقة تستمتع بخنقها.
فاجأني أنها لم تصرخ طلبا للمساعدة, بل إنني لم أسمع لدفقاتها المهزومة صوتا.
فجعلت أستجمع قواي التي أغارت عليها شحنة ضالة من نفس التيار التحتي, و بعد لحظة تفكير مرت كالدهر قررت أن أرسل إليها نظرة عميقة متفحصة.. قفزة هائلة لا مفر منها, تمنيت, بل و دعوت أن تعود إليّ تلك النظرة مصحوبة بخيبة الظن.
جازفت و أرسلت تلك النظرة الموعودة, فارتدت كالصفعة على وجهي, ارتدت لتعيد رسم معالم الحقيقة التي غشّاها الوهم... إنها واقفة في خشوع, تؤدي الشعائر المألوفة للصلاة, يتجلى على وجهها رضا اليائس المفرط في اليأس.

و بحس فطري تجريبي, و بهدف وأد أي أثر متبقي للشك, تخليت عنها كمركز لتسديد نظرتي, فأشحت مجال بصري قليلا, حتى تداخلت حدوده مع ظلها المعتم, و إذا بطيفها الممسوس يعود لثورته المهلكة على قيوده المادية. حركات راقصة أكثر عنفا, و أكثر تطرفا, دفعت بأنفاسها المستسلمة للدخول في تحدي أزلي ضد سيادة المس.
أغمضت عيناي بقوة حتى كادتا أن تسقطان داخل تجويف رأسي, و اتخذ وجهي من يديّ المرتعشتين قناعا...
خرج قلبي عن مساره وأخذ في مد الحدود القصوى لمجال حركته, فتهاوى من موضعه و أحدث دويا مروعا ثم ارتد في قفزة هائلة، ثم تهاوى، ثم ارتد، ثم تهاوى.. مرات لا تحصى, حتى تبخرت الطاقة المحترقة في كياني... و خبت شعلة الإنفعال تدريجيا.
وعندها شعرت بها تقترب مني، بعد أن انتهت من صلاتها, أو انتهت منها صلاتها, فأزحت يديّ من على وجهي و حررت عينيّ الغائرتين. جلست إلى جانبي بهدوء.. تطلعت إليها باحتراس, أنقب عما قد يثير الريبة, فلم أجد شيئا, لم أجد إلا ملامح شاردة. أمسكت بيدها و لكنها بقيت ساكنة, بادرت بسؤالها ما إذا كانت بخير, فتبدى الوهن على قسماتها فخبأته بنبرة صارمة قائلة :
-أنا بخير، ولكن...
ملتفتة إليّ :
-... حان دورك!!

فاجأني أنني لم أتفاجأ لما قالته, و بإذعان متناهي وجدتني أمتثل لطلبها. توجهت للغرفة ذاتها بخطوات قصيرة لكن ثابتة و أنا أكاد ألا أصدق أنني أتحرك.


A photograph by Susu Laroche

No comments:

Post a Comment